Tip:
Highlight text to annotate it
X
المترجم: Menna Galal المدقّق: Ahmad Altamimi
ما أصعب عمل قمت به على الإطلاق؟
هل كان العمل تحت الشمس؟
أم تأمين الطعام لأسرة أو مجموعة من الأفراد؟
هل كان العمل لأيام وليال لحماية الأرواح والممتلكات؟
هل كان العمل وحيداً؟
أم كان العمل على مشروع غير مضمون النجاح،
لكنه قد يحسن صحة الإنسان أو ينقذ حياته؟
هل كان العمل لبناء أو ابتكار شيء أو صنع تحفة فنية؟
هل كان قيامك بعمل غير متأكد
من أنك ستنال فيه حقك من التفهم والتقدير؟
الناس الذين يقومون بهذه الأعمال في مجتمعاتنا
يستحقون أن يحظوا بانتباهنا وحبنا ودعمنا الكبير.
لكن البشر في مجتمعاتنا ليسوا وحدهم
من يقوم بهذه المهام الصعبة،
بل تقوم بها النباتات والحيوانات أيضًا
والنظم البيئية على كوكبنا.
ومن ضمن الأنظمة البيئية التي أدرسها: الشعاب المرجانية الاستوائية.
الشعاب المرجانية كالمزارعين،
تؤمن الغذاء والدخل الاقتصادي والأمن الغذائي
لمئات الملايين من الأشخاص حول العالم.
الشعاب المرجانية كالحرس،
فالهياكل التي تشكلها تحمي شواطئنا
من الأمواج العاتية أثناء العواصف،
كما أنها تحتوي على نظم حيوية تعمل على تنقية المياه
وجعلها أكثر أماناً لنا أثناء العمل واللعب.
الشعاب المرجانية كالكيميائيين،
فالجزيئات المكتشفَة على الشعاب المرجانية بالغة الأهمية
في البحث عن المضادات الحيوية وأدوية جديدة للسرطان.
إن الشعاب المرجانية كالفنانين،
فالهياكل التي تشكلها
من أجمل الأشياء على وجه الأرض،
وهذا الجمال هو أساس الجذب السياحي
في العديد من الدول التي تحتوي على القليل من الموارد الطبيعية الأخرى.
إذًا، نظرًا لكل هذه الأسباب، وللخدمات التي تقدمها هذه النظم البيئية،
يقدر علماء الاقتصاد أن قيمة الشعاب المرجانية في العالم
تساوي مئات مليارات الدولارات سنويًا،
ورغم كل العمل الشاق الذي تقوم به من أجلنا
وكل الثروة التي نكسبها منها،
إلا أننا لم نوفر جهدًا في تدميرها.
فقد استنزفنا الأسماك من المحيطات،
ورميناها بالأسمدة والصرف الصحي
والأمراض والمشتقات النفطية والملوثات والمخلفات.
سحقنا هذه الشعاب بمراكبنا وجرافاتنا،
وغيرنا كيمياء البحر بأكمله،
وتسببنا بزيادة دفء الماء واشتداد العواصف،
ورغم أن كل ما سبق كارثة بحد ذاته
إلا أن هذه التهديدات تضخم بعضها البعض،
ويضيف بعضها إلى بعض لتزيد كل واحدة منها الأخرى سوءًا.
سأعطيكم مثالًا.
حيث كنت أعيش وأعمل في (كوراساو) حدثت عاصفة استوائية منذ بضع سنوات،
وعلى الطرف الشرقي للجزيرة،
حيث الشعاب المرجانية سليمة ومزدهرة،
بالكاد يمكنك أن تتصور أن عاصفة استوائية مرت من هناك،
لكن في البلدة، حيث ماتت الشعاب نتيجة صيد الأسماك الجائر والتلوث،
انجرفت الشعاب الميتة مع العاصفة،
وأصبحت كالهراوات تدمر ما تبقى من الشعاب.
هذه الشعاب التي درستها وأنا أحضر لنيل الدكتوراه،
تعرفت عليها جيدًا،
وبعدما اقتلعت العاصفة حوالي نصف نسيجها،
صارت مليئة بالطحالب،
وفاقت هذه الطحالب النسيج المرجاني مما أدى لموته.
إن اجتماع عوامل التهديد معًا
هو ما وصفه (جيريمي جاكسون) بأنه "الانحدار المنزلق نحو الوحل".
وهذا بالكاد تعبير مجازي لأن العديد من الشعاب الآن
صارت جراثيمًا وطحالبًا ووحلًا.
والآن تتوقعون مني
أن أناشدكم جميعًا
لإنقاذ الشعاب المرجانية.
لكن لدي اعتراف:
تلك العبارة تقودني إلى الجنون،
سواءً رأيتها في تغريدة أو في إحدى عناوين الأخبار
أو صفحة في إحدى كتيبات المحافظة على البيئة،
تلك العبارة تزعجني،
لأننا نحن المحافظون أطلقنا إنذارًا
بموت الشعاب المرجانية منذ عقود،
ورغم ذلك، فكل شخص ألقاه تقريبًا، وأيًا كان مستوى تعليمه،
لا يعرف ما هو المرجان ولا من أين يأتي.
كيف يمكن أن نجعل أحدهم يهتم بالشعاب المرجانية حول العالم
وهي شيء مجرد بالكاد يستطيع فهمه؟
إن لم يفهموا ماهية المرجان أو من أين يأتي،
أو كم هو ظريف ومشوق وجميل
فكيف نتوقع أن يهتموا بإنقاذه؟
إذًا، لنغير ذلك.
ما هو المرجان وكيف يتشكل؟
يولد المرجان بعدة طرق،
لكن الشائع هو التكاثر الجماعي: فكل أفراد النوع الواحد
في ليلة واحدة في العام،
تضع جميع البيض الذي كونته خلال العام
في صف مائي،
وتجمعه في حزم مع خلايا نطفية.
وتصعد هذه الحزم إلى سطح المحيط ثم تنشق إلى أجزاء.
على أمل، أنه على سطح المحيط
سيلتقي البيض مع نطف مرجان آخر.
لذا نحتاج الكثير من المرجان في الشعاب المرجانية،
ليلتقي البيض مع قرائنه عند السطح.
وعندما تُخصَّب، تتصرف كبيض أي حيوان آخر:
تنقسم إلى نصفين، مرة واثنتين وهكذا.
إن التقاط مثل هذه الصور تحت المجهر سنويًا
أحد أعمالي المفضلة، وأكثر الأوقات سحراً خلال العام.
في نهاية هذا الانقسام الخلوي، تتحول إلى يرقة عائمة،
كتلة صغيرة دهنية بحجم بذرة الخشخاش،
لكن مع نظام الحواس الكامل الذي نملكه.
يمكنها الشعور باللون والضوء والتراكيب والمواد الكيميائية ودرجة الحموضة،
يمكنها حتى الشعور بضغط الأمواج، ويمكنها سماع الأصوات.
وتستعمل تلك القدرات
لتبحث عن مكان تتشبّث به في قاع الشعاب
وتعيش بقية حياتها.
تصور أن يقع على عاتقك إيجاد مكان تمضي فيه بقية عمرك
بينما عمرك لا يتجاوز اليومين.
تتشبث في المكان الأنسب لها،
تكوّن هيكلًا عظميًا أسفلها،
تكوّن فمًا ومجسات،
وتبدأ عملها الشاق بتكوين الشعاب المرجانية في العالم.
إن سليلة مرجانية واحدة ستنقسم مرة واثنتين وهكذا،
تاركةً هيكلًا كلسيًا أسفلها
لتنمو باتجاه الشمس.
مع مرور السنين وبوجود العديد من الأنواع،
ما تحصل عليه هو كتلة ضخمة كلسية
يمكن رؤيتها من الفضاء في عدة مناسبات،
تغطيها طبقة رقيقة من هذه الحيوانات المجتهدة.
حاليا لا يوجد سوى عدة مئات من الأنواع المرجانية وربما لا تتجاوز 1000
لكنها تأوي ملايين الملايين من الأنواع الأخرى،
وهذا التنوع هو ما يسبب استقرارها،
وهو المكان الذي نكتشف فيه أدويتنا الجديدة
ومصادر جديدة للغذاء.
إنني محظوظة بالعمل على جزيرة (كوراساو)،
حيث ما زلنا نملك شعابًا تبدو بهذا الشكل.
لكن في الحقيقة، الكثير من مناطق الكاريبي والكثير من عالمنا
أشبه بهذا.
درس العلماء بالتفصيل
خسارة العالم للشعاب المرجانية،
ووثقوا الأسباب بشكل شبه مؤكد.
لكن في أبحاثي، لست مهتمة بالنظر للخلف.
أنا وزملائي في (كوراساو) مهتمون بالنظر للأمام
وما قد يكون.
ولدينا أصغر الأسباب لنتفاءل.
إذ انه حتى في بعض هذه الشعاب،
والتي كان من الممكن أن تزول منذ زمن،
ما زلنا في بعض الأحيان نشهد ظهور صغار المرجان ونجاتها على أي حال.
وبدأنا نفكر أن صغار المرجان قد يكون ليها القدرة
على التكيّف مع بعض هذه الظروف على عكس البالغ منها.
ربما هي قادرة على التكيّف
بسهولة أكبر على كوكب الإنسان هذا.
لذا في بحثي مع زملائي في (كوراساو)
نحاول أن نحدد احتياجات صغار المرجان
في تلك المرحلة المبكرة الحرجة،
ما الذي تبحث عنه
وكيف يمكننا مساعدتها خلال تلك العملية.
سأعرض عليكم ثلاثة أمثلة للعمل الذي نقوم به
للإجابة عن هذه الأسئلة.
منذ عدة سنوات أخذنا طابعة ثلاثية الأبعاد وقمنا بتجربة اختيار المرجان
بألوان وأنسجة مختلفة
وسألنا المرجان ببساطة أين يريد أن يستقر.
وجدنا أن المرجان، وبدون تدخل بيولوجي،
ما زال يفضل اللونين الأبيض والزهري: ألوان الشعاب المرجانية السليمة
و يفضل الشقوق والأخاديد والحفر
حيث يكون بمأمن من أن يتم دهسه
أو أكله من كائن مفترس.
لذا يمكن استخدام هذه المعلومة
يمكننا أن نعود ونقول أننا في حاجة لاستعادة هذه العوامل
الزهري والأبيض والشقوق والأسطح القاسية
في مشروعنا لحفظ البيئة.
كما يمكن استخدام هذه المعلومة
في حالة وضع شيء تحت الماء كجدار أو رصيف بحري.
يمكن أن نختار استخدام هذه المواد والألوان والأنسجة
بما قد يجعل المنظومة تعود لتنحاز إلى شعاب المرجان.
الآن، وبالإضافة لدراسة الأسطح
يمكننا دراسة الإشارات الكيميائية والميكروبية
التي تجذب المرجان إلى الشعاب.
بدأتُ منذ حوالي ستة أعوام بتحضير مزارع جرثومية
من السطوح التي استقر عليها المرجان،
ودرستها الواحدة تلو الأخرى
باحثةً عن الجراثيم التي تقنع المرجان بالاستقرار والتثبت.
ولدينا حاليًا في مجمداتنا سلالات جرثومية عديدة
تتسبب، بشكل موثوق،
باستقرار وتثبت المرجان.
وبينما نتحدث الآن
يختبر زملائي في (كوراساو) هذه الجراثيم
ليبحثوا إمكانية مساهمتها في زيادة مستوطنات للشعاب في المختبر،
وليروا إن كانت ستبقى هذه المستوطنات على قيد الحياة
عندما نعيدها إلى الماء.
فضلًا عن هذه الأدوات نعمل حاليًا على كشف أسرار
الأنواع قيد الدراسة.
هذه إحدى أنواع المرجان المفضلة لدي:
(ديندروغيرا سايلندروس) المرجان العموي.
أحبه لأنه يكوّن هذا الشكل الغريب،
وبسبب لوامسه الدهنية المغطاة بالزغب
ولأنه نادر.
من المبهج أن تجد واحداً كهذا ضمن الشعاب المرجانية.
في الحقيقة، هو نادر
لدرجة أنه صُنّف العام الماضي كنوع مهدد
ضمن قائمة الأنواع المهددة بالانقراض.
وذلك جزئيًا بسبب أن الإحصاءات على مدى ال30 سنة الماضية
لم تجد أية صغار للمرجان العمودي.
حتى أننا لم نكن واثقين إن ما زال بإمكانها أن تتكاثر
أو أنها ما زالت تتكاثر.
بدأنا منذ أربع سنوات بمتابعة هذه ليلًا
ومراقبتها لنرى إذا كانت ستتكاثر في (كوراساو).
حصلنا على بعض النصائح الجيدة من زملائنا في فلوريدا
الذين رأوا إحداها في 2007 وآخر في 2008
وفي النهاية اكتشفنا متى تتكاثر في (كوراساو)
وأمسكنا بها.
هذه أنثى على اليسار مع بعض البيض فس نسيجها،
وهي على وشك اطلاقه في مياه البحر.
وهذا ذكر على اليمين يطلق النطاف.
جمعنا هذه وأعدنا إلى المخبر وقمنا بتخصيبها
وأخيرًا بدأ صغير المرجان العمودي يسبح في مختبرنا.
شكراً لعمل "أقربائي في العلم"،
وشكراً لعشر سنوات من التدريب في (كوراساو)
لتربية أنواع أخرى من المرجان،
حصلنا على بعض هذه اليرقات لاستكمال العمل
على الاستقرار والتثبت،
والعودة إلى المرجان المجازي.
إذًا، هذا كان أول مرجان عمودي صغير يُرى على الإطلاق.
(تصفيق)
وعلي أن أقول لكم إذا كنتم تعتقدون أن صغار الباندا ظريفة،
فهذه أظرف.
(ضحك)
ونحن في طور اكتشاف أسرار هذه العملية
وأسرار تكاثر الشعاب المرجانية وكيف يمكن مساعدتها.
وهذا ما يحدث في جميع أنحاء العالم؛
يعمل العلماء على اكتشاف طرق جديدة للعناية بأجنتها،
لجعلها تستقر،
وربما إيجاد طرق لحفظها في درجة حرارة منخفضة
بحيث نتمكن من حفظ تنوعها الوراثي
والعمل عليها بشكل أكبر.
لكن ما زلنا نعمل بتقنية محدودة
يحدنا مكان العمل وعدد الأيدي العاملة في المختبر
وعدد فناجين القهوة التي يمكن أن نحتسيها كل ساعة.
الآن وبالمقارنة مع مصائبنا الأخرى
والنواحي الأخرى المهمة في مجتمعنا
نملك تقنية طبية متقدمة وتقنية دفاعية
وتقنية علمية
حتى أن لدينا تقنية حديثة للفنون
غير أن تقنيتنا في حماية مواردنا ما زالت متأخرة.
تذكر أصعب مهنة قمت بها على الإطلاق.
قد يقول أكثركم أن تكون أبًا أو أمًا.
أمي كانت تقول عن ذلك
بأنه شيء يجعل حياتك أصعب وأبدع
أكثر مما قد تتصور.
أحاول مساعدة الشعاب المرجانية لتكون آباءً منذ أكثر من 10 سنوات.
وشهود معجزة الحياة
مما يملأني حتمًا بالدهشة حتى أعماق روحي.
لكنني شاهدت أيضًا كم هو صعب عليهم أن يكونوا آباء.
تكاثر المرجان العمودي مرة أخرى منذ أسبوعين،
جمعنا البيض وعدنا به إلى المختبر،
وهنا يمكنك أن ترى جنينًا ينقسم،
إلى جانب 14 بيضةً غير مخصبة
وستنفجر.
ستغزوها الجراثيم وتنفجر
وستهدد هذه الجراثيم حياة هذا الجنين
الذي يملك فرصة في الحياة.
لا ندري إن كنا قد أخطأنا في أساليبنا
ونحن لا نعلم
إذا كان المرجان في هذه الشعاب فقط هو الذي يعاني من قلة الخصوبة.
مهما كان السبب،
لدينا الكثير من العمل قبل أن نتمكن من استعمال صغار المرجان
لتنمية أو ترميم أو ربما إنقاذ الشعاب المرجانية.
إذًا لا تبال بفكرة أنها تساوي بلايين الدولارات.
إن الشعاب المرجانية هي حيوانات ونباتات وأحياء دقيقة وفطر يات مجتهدة.
تمدنا بالجمال والطعام والدواء.
رغم أننا تقريبًا قضينا على جيل كامل منها،
لكن نجا القليل منها رغم مجهوداتنا،
والآن حان الوقت لنرد لها الدين،
ونمنحها فرصة لتنمية جيل جديد من الشعاب المرجانية.
جيلاً من صغار المرجان.
شكراً جزيلاً لكم.
(تصفيق)