Tip:
Highlight text to annotate it
X
سيداتي سادتي: اسمحوا لي أن أبدأ بشكر منظمي منتدى أوسلو للحرية وأن أشكر الشعب النرويجي أيضاً،
-- بالنيابة عن جميع السوريين وعن نفسي، لدعوتكم لي للمشاركة والتحدث في هذا المنتدى المميز.
إنه ليشرفني الحديث من على نفس المنبر حيث وقف بعض الشخصيات المؤثرة وأكثرهم إخلاصاً.
أدعوكم الآن إلى أن تتخيلوا معي سورية جديدة:
دولة ديمقراطية قوية حيث تُحترم حقوق الإنسان العالمية لجميع السوريين، مع المساواة الكاملة ودون أي تمييز.
تخيَّلوا دولة حيث يعيش المسلمون، والمسيحيون، والعلويون، والأكراد وغيرهم آخرون في حرية وكرامة.
تخيلوا سورية حيث يمارس الشعب حقوقه في المواطنة
والمجتمع مدني، ويساهم في التنمية الوطنية.
تخيلوا سورية جديدة، حيث تتواجد عدة أحزاب سياسية، ويتم عقد الانتخابات بشكل منتظم.
تخيلوا سورية كعضو في المجتمع الدولي
يشترك ويلتزم بالاتفاقيات الدولية وبحكم القانون.
هذه هي سورية التي يريدها السوريون؛
يريدون صحافة حرة، وحرية التعبير عن الرأي، وحرية المعارضة.
إنهم يريدون حكومة شفافة وأسواقاً مفتوحة ووضع حد للفساد والمحسوبية.
يريد السوريون فرصاً متساوية للجميع، وأوضاع معيشية أفضل،
يريد السوريون فرصاً متساوية ليس للأغلبية فحسب، بل أيضاً لجميع الأقليات.
وخدمات صحية وتعليمية أفضل، وفرصاً اقتصادية أكثر عدلاً، وفوق كل ذلك، فهم يريدون الكرامة والعدل.
يريد السوريون كل ما حُرموا منه في عهد الأسد الأب
وطوال الإحدى عشر سنة الماضية تحت حكم الأسد الابن.
لقد بدأت الثورة الحالية بشكل سلمي، في شهر آذار العام الماضي، عندما قام عدد من طلاب المدارس
بكتابة تعبيرات مضادة للحكومة على جدار مدينة درعا جنوب غرب سورية.
وقد تم سجن الأطفال، وبعد شهر أطلق سراحهم لكن دون أظافرهم،
-- فقد تمَّ نزعها كرسالة واضحة للآخرين.
غضب سكان مدينة درعا لهذه المعاملة المهينة فقاموا بالاحتجاج في الشوارع ضد أعمال العنف والتخويف،
وهو ما أدى لاحقاً إلى مظاهرات أخرى حتى اشتعلت البلاد بأكملها بمشاعر الغضب والاستياء.
وأحداث درعا هذه، إضافة إلى سنوات من الاضطهاد والوعود الكاذبة،
كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.
ومنذ بداية الثورة قبل ما يزيد على السنة بقليل،
فإن أعداد الأبرياء الذين قـُتِلوا أو جـُرحوا أو احتـُجـِزوا هي أعداد مرعبة.
فقد توفي ما يزيد على 12000 شخص، بينهم 1000 طفل و1000 امرأة.
أيضاً هنالك ما يزيد عن 65000 شخص مفقود و200000 سجين.
لقد تأثرت كل عائلة في سورية بما يحدث،
فلا يمكن وصف مدى الحزن والأسى الذي عم البلاد.
إن الوطن السوري يئن بالأزواج المفقودين، والفتيات المغتصبات، والمسنين الذين تعرضوا للإهانة، والأولاد المتوفين.
يواجه الشعب السوري شراً معروفاً من قبل يستحق الشجب،
هناك مجموعة صغيرة تستغل مجتمعاً بأكمله بسلطتهم المشكوك بها،
وهم يطلقون العنان لكافة أسلحة الدولة
ابتداءً بالمعتقلات السرية إلى الحرب الدعائية والمدفعيات الموجهة ضد الشعب.
ومنذ اللحظة الأولى للحراك الشعبي في درعا، حاولت الحكومة مأسسة عملية حجب المعلومات،
ومنع التواجد الإعلامي، وطرد جميع المراسلين والصحفيين الدوليين.
إن رواية النظام حسب ما ترويه القناة السورية الرسمية
والقنوات الخاصة الممولة من الدولة، والإذاعة والجرائد الحكومية،
تقول بأن عصابات أجنبية مسلحة، والشبيحة، والإرهابيين، والمتشددين الإسلاميين هم الذين يطلقون النار بعشوائية
على المدنيين وقوات الأمن لإضعاف سورية، وزرع الفوضى وإثارة الحرب الأهلية.
وبالرغم من ذلك، فإن حقيقة ما يجري من أحداث الثورة السورية يتم تداوله
ويصل صداه إلى أرجاء العالم أجمع. والفضل يعود إلى الإنترنت وإلى شجاعة السوريين
وإبداعاتهم الخلاّقة في طرق وأساليب نقل الحقيقة مما يُشاهدون ويُعايشون.
إن أسلوب سرد الأحداث ثابت ومتناسق لا يمكن تكذيبه. كما أن الأحداث تُروى وتُعاد مرة تلو الأخرى،
وتدور على محور يقول بأن قوات الأمن السوري تُطلِقُ النار على المدنيين مما يترك عشرات الأفراد بين قتلى وجرحى.
ثمَّ يتم نقل الجرحى إلى المستشفى، فقط من أجل اختطافهم مباشرة وإيداعهم في مقرات الأمن للاستجواب.
وفي بعض الأحيان تتم إعادة جثثهم إلى عائلاتهم مع علامات تعذيب وتشويه واضحين.
في بعض الحالات، فإنهم يختفون إلى الأبد.
وتتم محاصرة الحي، ويتم قصفه حتى يُدمّر تماماً.
ويتمُّ أيضاً إحراق المنازل، وجر الشباب والنساء خارج منازلهم ومن ثم احتجازهم.
بعد ذلك يتم ضربهم وأحياناً يفقدون حياتهم تحت التعذيب.
لا أحد يعرف أين يتم احتجازهم وتمر الأيام والأسابيع دون معرفة أي أخبار عنهم.
إنَّ هذا السيناريو يتكرر المرة تلو الأخرى في كل مدينة وقرية وفي جميع أرجاء الجمهورية.
لقد تم إرسال رسالة واضحة إلى الصحفيين السوريين لإبقائهم صامتين.
وقد تم ضرب العديد منهم، واحتجازهم، وتهديدهم، وقتلهم.
في شهر آب/أغسطس عام 2011، قامت قوات الأمن السورية بمهاجمة أفضل رسام كاريكاتير سياسي في سورية،
علي فرزات، وهو ناقد نظام معروف.
تم إدخال فرزات، وعمره 60 عاماً، إلى المستشفى وهو يعاني من كسور ورضوض في رأسه،
كما تم تحطيم أصابعه.
لقد عانى العديد من الصحفيين السوريون مثل ذلك وأشد.
وبالرغم من جميع الجهود المبذولة لمراقبة تحرك المعلومات والتحكم بها
دون السماح لصحفيين دوليين أو منظمات إنسانية بالدخول إلى البلد
لضمان عدم الكشف عن الحقيقة والتأكد من الحقائق
إلا أن السوريين يُشغلون أجهزة الحاسوب وهواتفهم الخلوية لتنظيم وحشد المظاهرات،
وتبادل المعلومات على أرض الواقع مع توثيق الثورة عن طريق تحميل
أفلام الفيديو والصور وروايات شهود العيان، حيث يتم الحرص على إطلاع الناس على ما يحدث سواء في سورية أو خارجها.
ويعتمد الناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي لنشر القصة مثل تويتر وفيسبوك.
كان استخدام كلتا هاتين الشبكتين الاجتماعيتين بسيطاً قبل الثورة مقارنة باليوم
حيث يعتمد عشرات آلاف السوريون على شبكات التواصل الاجتماعي لتوصيل الأخبار وسماعها.
لقد تم حرمان الشعب السوري من المعلومات المنفتحة والحرة طوال حياتهم
لكنهم الآن أصبحوا صحفيين ويدافعون عن حقوقهم الخاصة.
لقد أرغم النظام السوري السوريين على أن يصبحوا نشطاء وصحفيين وشهود عيان.
هذا هو النموذج المثالي لصحافة المواطنين أثناء الأحداث،
وهو الأمر الذي يجعل من تقديم التقارير من قبل المواطنين قوياً جداً هو
أن القصة لا تُروى من مصدر إعلامي واحد، أو صحفي واحد بل من عدد كبير من المواطنين
ممن يقومون بتسجيل الأحداث من زوايا ونواح مختلفة وبمشاعر متعددة.
قد تكون الطريقة الوحيدة والأكثر أهمية التي يستطيع من خلالها الشعب السوري نقل حقيقة ما يحدث على الأراضي السورية
هي من خلال عدسة أفلام الفيديو التي يتم تحميلها يومياً على اليوتيوب والتي تلتقطها كاميرات الهواتف الخلوية.
فإذا كانت الصورة تساوي ألف كلمة، فإن مقطع فيديو على اليوتيوب يساوي آلاف الأضعاف.
لقد تعلم الناشطون أنه حتى تكون مقاطع الفيديو هذه مصادر معلومات موثوقة
فإنه يجب أن تتم تسميتها وتأريخها بشكل صحيح.
حاليا، هنالك مئات الآلاف من مقاطع الفيديو والتي يمكن الوصول إليها بكل سهولة سواء من داخل سورية أو خارجها.
ويأمل الناشطون أن يتم استخدام مقاطع الفيديو هذه في يوم ما كأدلة لمقاضاة نظام الأسد.
أما بالنسبة لموقع الفيسبوك، فقد أصبح المنصة الرئيسية لنقل المعلومات المهمة ونشر القصص مباشرة على الإنترنت
بحيث يتابع الأفراد هذه الأحداث والمعلومات عن كثب داخل سورية وخارجها.
لكنَّ هذا الأمر يُشكل خطراً حيث أن حمل كاميرا أو هاتف خلوي مزود بكاميرا قد يكون بمثابة الحكم بالإعدام:
إن الناشطين الذين يتم ضبطهم وهم يصورون، أو يحملون وينشرون المقاطع يتم ضربهم وتعذيبهم وقتلهم.
فخلال الفترة ما بين كانون الأول 2011 وشباط 2012،
تم قتل ثلاثة ناشطين سوريين من حمص أثناء تصوير أحداث العنف،
وهم باسل السيد، ورامي أحمد السيد، ومزهر طيارة وهم ليسوا الوحيدين.
وبالرغم من كل ذلك، يستمر التصوير!
لقد نجح السوريون بشكل رائع في توثيق كافة الأعمال الوحشية المروعة والمجازر التي ارتكبها هذا النظام الإجرامي.
من المُفاجئ للبعض أن الحكومة لم تحجب موقع الفيسبوك بالكامل لسبب ما:
وهو أنها تستخدم الإنترنت كأداة مراقبة لتخويف مستخدمي الفيسبوك واستخدام حسابات الفيسبوك
لجمع المعلومات واتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين يضيفون المعارضة إلى "قائمة الأصدقاء".
وبالنسبة لأولئك المسؤولين عن نشر مقاطع الفيديو على اليوتيوب، ومدونات الصور، والأخبار على فيسبوك أو تويتر
فهم عبارة عن شبكات من الشباب والنساء الناشطين ممن ظهروا بشكل عفوي
ومعظمهم موجود في سورية، ولكن هنالك آخرون متواجدون في أماكن غير سورية.
قاموا بتشكيل "لجان التنسيق المحلية" بصورة لامركزية من أجل مساعدة المعارضة على أرض الواقع،
وتنظيم المظاهرات، ونشر الرسائل المناوئة للحكومة عبر أرجاء البلاد،
وتوثيق ونشر المعلومات والأخبار حول ما يحدث في سورية حتى يرى ذلك العالم بأجمعه.
تمَّ بذل جهد كبير في جمع المعلومات، والتحقق من مصداقيتها
ومن ثم تقديمها إلى المنافذ الإعلامية خلال وقت قصير.
فلنأخذ مثالاً على ذلك: الناشطون الذين قاموا مؤخراً بإطلاق محطة إذاعة إنترنت في نهاية السنة الماضية
وأسموها إذاعة "البداية الجديدة"؛ لم يتلق هؤلاء الشباب والشابات أي تدريب رسمي
لكنَّهم يُديرون محطة الإذاعة بفعالية عالية مستخدمين معلومات يُقدمها الصحفيون المتواجدون في مواقع العنف حول سورية.
ومؤخراً قامت منظمة مراسلون بلا حدود بمنح جائزة المستخدم الدائم للإنترنت (جائزة نيتازان) إلى الصحفيين المواطنين والناشطين السوريين،
تثميناً لنضالهم من أجل نقل ما يحدث في سورية إلى العالم والسعي للعيش بحرية وكرامة.
أيضاً، فهنالك أمر آخر كان مفيداً للغاية وهو أن بعض الصحفيين الدوليين الشجعان خاطروا بحياتهم
ودخلوا سورية بطرق غير شرعية لرفع تقارير حول الأحداث والتأكد من صحة ما نتلقاه من المصادر الداخلية.
وهنا، أودُّ أن أقف وقفة إجلال واحترام لماري كولفين وريمي أوتشليك
الذَين توفيا وهما يغطيان قصف مدينة حمص في نهاية شهر شباط،
وأيضاً، إلى أنتوني شديد الذي روى لنا مجريات الوضع الخطير بدقة وبعواطف جياشة.
وبعكس كل الظروف الصعبة والتحديات، فقد عملت المعارضة السورية -المنتشرة بشكل واسع داخل سورية وخارجها-
بجِد لتنظيم وتقديم جبهة موحدة.
لقد تم تسهيل هذا الأمر باستخدام وسائل الاتصال مثل سكايب.
ففي دولة حُرم أهلها من ممارسة السياسة على مر عدة عقود، لم يكن تنظيم المعارضة أمراً سلساً على الإطلاق،
وبالرغم من ذلك، فقد نجحنا على عدة جبهات،
فقُمنا بإنشاء مجلس مكون من 300 عضو -المجلس الوطني السوري- لتمثيل السوريين من جميع الخلفيات.
والآن، تم الاعتراف بالمجلس الوطني السوري -داخل سورية وخارجها-
على أنه الممثل الريادي والشرعي عن الشعب السوري.
أيضاً، فإن لدينا الآن الجيش السوري الحر المكوَّن من المنشقين الذين يجابهون قوات الأسد ويحمون المدنيين.
وبالرغم من أننا أيَّدنا الثورة السلمية ضد الأسد
إلا أننا نفهم أن الأسد لن يُثنيه أي شيء
عن إرغامنا على إعادة تقييم موقفنا السابق، مما أوصلنا إلى الإدراك المحزن
بأن علينا الدفاع عن أنفسنا بكل الوسائل الممكنة
بما في ذلك تسليح أنفسنا لممارسة حقنا في الدفاع عن النفس.
ينادي السوريون الآن المجتمع الدولي لاتخاذ إجراء فوري وسريع.
في الحقيقة، لم تكن العقوبات الاقتصادية وحظر السفر كافية.
إن معظم السوريين يتفقون على ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي دوراً أكثر نشاطاً وفعالية
لإيقاف سفك الدماء في سورية. فهنالك تكاليف بشرية هائلة مرافقة لعدم اتخاذ أي إجراء،
لكنَّ المجتمع الدولي يلزمه وضع خطة استُحِق وضعها منذ زمن بعيد.
وما لم تكن الخطة جيدة جداً ويتم تنفيذها بسرعة،
فبإمكاننا توقع استمرار النظام في قمع الثورة بعنف
مدينة تلو الأخرى وقرية تلو الأخرى لمحاولة سحق عزيمة الشعب.
لكن السوريين الشجعان لن يدعوا العالم ينسى
أن الشباب سيستمر بنقل وسرد الأحداث لنا لأنهم لم يعودوا يخافون.
لقد تم كسر حاجز الخوف النفسي
ولن يتقبل السوريون الذل والامتهان من نظام الأسد بعد الآن.
لقد حرر السوريون أنفسهم من قيود الخوف والحواجز القمعية القديمة
التي كانت تمارسها الدولة للتحكم بتدفق المعلومات.
لقد أتت هذه الثورة بعد زمن طويل جداً، وحان الوقت الذي تخرج فيه سورية من الظلام إلى النور
عندما ترى سورية نهاية طغيان الأسد.
وبعد ذلك لم يعد السؤال (هل سيحدث أم لا؟)، ولكن السؤال (متى سيحدث؟).
حيث أن الأسد قد فقد شرعيته بالفعل منذ وقت مضى.
نحن نؤمن بأن قضيتنا ستنجح عاجلاً غير آجل، لكنَّها تحتاج إلى الدعم الدولي،
وأنتم ممن تستطيعون المساعدة بمصداقيتكم، وعلاقاتكم، وشبكاتكم لنشر الحقيقة
وتوعية العالم وإيقاظ ضميره،
فإننا نحن نحتاج لدعم الجميع، أفراداً، ومؤسسات، وحكومات.
كما أننا نتطلع إلى استقبالكم والترحيب بكم في دولتنا حتى تتمكنوا من الالتقاء بالأفراد المبدعين والخلاقين لدينا،
وتروا إرثنا الثري والمتنوع، وتستمتعوا بالفن السوري والمائدة السورية،
وتتفاعلوا مع كتابنا ومفكرينا وفلاسفتنا، وتُحيُّوا شبابنا، وتعملوا مع تُجارنا،
وتستمتعوا بكرم شعبنا المخلص.
شكرا لكم.