Tip:
Highlight text to annotate it
X
لندن المتمايلة رقصا
،لقد ولى الماضي بكل مابه وإلى غير رجعة
،الجديد هو ما كان يهم بريطانيا المفعمة بالحداثة
ولم يعد هناك اتباع ،وانزواء للتقاليد
أما أبقار السلطة المقدسة فقد نُحِرت حسب الحق العتيق
إنها الآن الساعة التاسعة والثلث
(يمتليء ممر (لوجيت هيل ،بحشود من آلاف الناس هذا الصباح
يتدفقون منذ فجر اليوم
لرؤية مرور جثمان (وينستون تشرشل)
بطريقه من هنا متجها نحو كاثدرائية سانت بول) حيث أتحدث منه بهذه الأثناء)
لكن حينها، وأثناء شهر يناير بارد ،)وملبّد، مات (وينستون تشرشل
وفجأة توقفت لندن عن الرقص
ومن بين ضباب شتوي أبدي
سار التاريخ الوحش العجوز ذو الشعر متثاقلا ومحملا بالذكريات الكثيرة
وقف الناس بالشوارع تحت البرد القارس
بينما كان التابوت المهيب يتمايل ما بين أكتاف الحرس
عبرت العائلة المالكة عن مشاعرها لهذه الشخصية العامة العظيمة
(عبر الانتظار بمذبح كنيسة (سانت بول
بينما عبر عمال الميناء عن مشاعرهم عبر إنزال أشرعة سفنهم
حين أبحر من أمامهم الزورق الذي يحمل التابوت
وأحجمت التهكمات عن النطق
وحتى نحن طلبة التاريخ المتفاخرين توقفنا عن الهزل
وبدأنا ننتبه ونحن تنتابنا ،مشاعر متدفقة غير متوقعة
وغصة بالحلق من الاحساس الوطني المثير للريبة
،لقد وقع أمر جلل ،إنه موت الأب الراعي
ورحيل ظاهرة مؤكدة تعبر عن ماهية الشخصية البريطانية
وما تعنيه، حسب ما كان يعرفه تشرشل)، أن تكون وريثة لتاريخ حافل)
ولكن حال توقف العبرات ،وجفاف الدموع
زحفت مجددا الأفكار الغير محترمة للعقول
ربما كان ثقل الماضي ،البريطاني عبئا ساحقا
وطوقا ثقيلا على رقبة المستقبل
فما الفائدة من حكايات (تشرشل) الخرافية الطويلة عن المملكة لنا نحن شباب الستينات؟
كلا، فولائي عام 1965 كان لـ(وينستون) مختلف
إنه الشخصية المتمردة - والشاكّة بجوقة المطبلين
وينستون سميث) البطل الممانع لحكاية) جورج أورويل) الكابوسية عن المستقبل)
،هنا لندن بعام 1984
"المدينة الرئيسية لـ"مهبط الطائرات 1 "مقاطعة من إحدى مقاطعات دولة "أوقيانيا
لقد اهتم (أورويل) كما ،عرفناه عميقا بالتاريخ
،ليس تاريخ العظمة ،بل تاريخ الشعوب
غير المدون بالقصائد ،الملحمية القرمزية
(بل بلغة (أورويل التي تميزت بالحدة الشديدة
لم يكن تاريخ (أورويل) لذلك من النوع الذي يتخبط بالتمجيد الذاتي
بل كان من النوع الذي يطرح اسئلة صعبة
(لكن بالنظر لكل اختلافاتهما فإن (أورويل - وتشرشل) كان يجمعهما عامل مشترك)
فهما لم يكتفيا بتدوين تاريخ زمنهما، بل كانا يعايشانه
لاحظوا (تشرشل) ولاحظوا أورويل) وستدركون)
ما الذي حدث لبريطانيا في القرن العشرين
وسترون كيف كوّن ماضينا شَكْل مستقبلنا
[تـاريـخ بـريـطـانـيـا] ترجمة: فيصل كريم الظفيري و أحــمــد الـزعــبــي
*(وينستون) و (وينستون)" ترجمة: فيصل كريم الظفيري و أحــمــد الـزعــبــي
عندما ولد ،وينستون تشرشل) عام 1874)
"كان هذا المكان "مرسى البحرية الملكي في مدينة (تشاثام) بأوج ازدهاره
حيث تنتج السفن والمدافع التي جعلت من بريطانيا أكثر قوة
مما كانت من قبل أو فيما بعد
ولا بد أن ظن أن هذا المكان سيستمر هكذا للأبد
بعد 90 عاما ،وعندما وافته المنية
أصبحت على وشك أن تكون متحفا ومحطا لتجميع الخردة
لكن حينها كان للتاريخ حكم قاسٍ على التفاؤل
ولم يكن هناك أبدا مجال لـ(وينستون تشرشل) للهروب من التاريخ
،لقد ولد على كل حال في قصر
بلينهايم)، مجمعات القصور) (الحجرية الرائعة لجده دوق (مارلبوروه
،)أما والد (وينستون)، (راندولف ،فتى حزب المحافظين الاعجوبة
والمستشار في خزانة الدولة ،بعمر الـ37 فقط
فقد بدا جاهزا لأن يكون آخر ابناء عائلة تشرشل) يعلو نجمه بسرعة صاروخية)
لكنه كان أيضا شخصا مزهوا ومزاجيا للأبد وعصبيا ومهددا بالاستقالة
وبالنهاية تركه المحافظين يمضي
ولم يعد بعدها للسلطة أبدا
وأمه هي (جيني) وكانت - مضيفة اجتماعية بلا حد
فاتنة وغنية وأمريكية ،وامرأة جميلة يرغبها الكثيرون
ومحاطة دائما بالمعجبين الذين فتنتهم
لكن (وينستون) كان بالكاد يعرف والديه
وكما هو معتاد عند الأرستقراطيين ،)الصغار، فإن مربيته (إيفرست
هي من تولت واجبات أمومته
وكما هو معتاد مع الصبية ،الذين ينتمون لطبقته
تم ارساله لمدرسة داخلية بوقت مبكر من عمره
وهناك استمع وهو ،يرتجف من الخوف
لصرخات الأطفال بعمر الثامنة حين يجلدون على مؤخراتهم بقوة
،وحين تولى لاحقا وزارة الداخلية ذكر أن تعاطفه مع محكومي إنجلترا
جاء من أدائه فترة 11 عاما من الإخضاع الجزائي
بالمدارس العامة والخاصة بإنجلترا
وقد كتب (تشرشل) أنه لم يتحدث مع والده سوى مرات معدودة على الأصابع بكل حياته
وكانت إحداها ذات يوم
بينما كان (وينستون) يلعب بلعبة الجنود الـ1500 الخاصة به
فلم يكن (راندولف) يتصور أن ابنه البدين القصير خالي البال
يمتلك موهبة بالسياسة أو الحروب
لكنه عندما لاحظ أن تشكيل ،المشاة والفرسان لـ(وينستون) هكذا
فتساءل عما إذا كان يود أن يكون جنديا
وهذا كل ما كان من الأمر فعلا
ستكون حياة (وينستون) مبنية على المعارك سواء بالمدافع أو بالقلم أو بالحنجرة
وسيرفع سيف أبيه المكسور وسيعلي من اسم (تشرشل) للمجد مجددا
ولهذا فإن (وينستون) اقتحم المعمعة بدون تردد
بالهند وأفريقيا وكل ما قد ،يخطر ببالك، فهو كان متواجدا
حتى لو كان عليه أن يقحم نفسه بموقف ما وهو غير مرحب به بالتاريخ
ومستغلا لوساطاته العائلية ودافعا ثمن طريقه لدخول الأحداث
وبالاضافة للاقتحام، فإن وينستون) بدأ يتخم... بالتاريخ)
لقد كان من خلال ظلال (وقت العصر لمدينة (بانجالور
حيث أصبح التاريخ ديانة ،)شخصية لـ(تشرشل
والملهم الذي فجر كل شيء فعله كسياسته وإعداد خطبه وهتافه بالمعارك
فقراءته وكتابته وإعداده
كلها كانت لا تنفصم عن - الشخصية الظاهرة للعيان
ذلك الشخص المتحمس والمندفع والملهب للعواطف
وفي ظل الامبراطورية بدأ (وينستون) بالكتابة
كتب ورسائل ومراسلات للصحف، ويا لها من تقارير
وقد ساعد بالأمر طبعا بذاءته الاجتماعية وجسارته الجسمانية
فكان متواجدا ببدانته طولا وعرضا 5 أقدام و7، دؤوب كخيوط الغزل الدوّارة
وقد عرف جيدا كيفية صنع العناوين الرئيسية، وكذلك كيفية استغلالها جيدا
إلا أن (وينستون) لم يكن أبدا (مجرد متحمس شديد لـ(وينستون
لقد آمن طوال حياته بعظمة وصلاح الامبراطورية البريطانية
لكنه كان على جهل شبه تام بالعامل الذي يحرك الامبراطورية - المال
ولبرهة كان (تشرشل) يدندن مع الجوقة ،"أغنية "الطريق نحو ماندلاي
ريتشارد بلير)، والد) ،جورج أورويل)، كان من بينهم)
وكان يموّل بالشاي وخشب الساج وبقدر ليس بقليل بالمخدرات
فقد عمل (بلير) لإدارة الأفيون في الهند البريطانية
وتمثلت مهمته بالإشراف على انتاج ،مخدر الخشخاش وتصديره لشانجهاي
فيعمل على الضمان نيابة عن الامبراطورية بأن العادة الصينية
بأنه سيتم بشكل معلوم الاستفادة منها تماما
عام 1903، أنجبت زوجة (ريتشارد) (آيدا) ابنا، (إيريك)
وفقط سيشتهر لاحقا (باسم (جورج أورويل
(وبعد عام عادت (آيدا) مع (إيريك ،وشقيقته الكبرى إلى انجلترا
بينما بقي (ريتشارد) في بورما
ومنزلهم كان في 17 طريق فيسرايج (ببلدة (هينلي أون تايمز
مكان حنون ومن الطبقة الوسطى ومن الضواحي
(قد يكون (وينستون تشرشل من أعلى الدرجات بالطبقة الحاكمة
،و(إريك بلير) من أدناها
لكنهما يرتبطان معا بالطقوس الإلزامية بالطريق
- الخاص بالصبية المقدر لهم حكم الامبراطورية وهو الاغتراب بمدرسة داخلية
بعد فترة وجيزة من وصولي لمدرسة القديس (كابريان) بدأت بتبليل سريري
وأجزم حاليا بأن تبليل السرير بمثل هذه الظروف هو أمر مسلم به
إنه رد فعل طبيعي بالأطفال
الذين أبعدوا عن ديارهم لمكان غريب
إلا إنه بهذه الأيام فينظر على ذلك الأمر بأنه كجريمة مثيرة للاشمئزاز
يفعلها الأطفال عمدا ويكون علاجها المناسب هو الضرب
وليلة تلو ليلة، صليت بتضرع ،لم أصل له أبدا بصلواتي سابقا
،أرجوك يا رب، لا تجعلني أبلل سريري" "أرجوك يا رب، لا تجعلني أبلل سريري
قد لا تكون مدرسة القديس كيبريان "بذلك المعسكر السادي "للمقاطعات المحلية
(الذي وصفه (جورج أورويل ،قبل 40 عاما تقريبا
لكن لا شك أن فترة تدريبه المهني
ما جعلته يحتقر الطقوس الخاصة بالامبراطورية
ودروس التاريخ التي حذفها على اعتبار أنها تكييف خالي من المعنى
عربدات التواريخ، بحماس الأولاد الذين يقفزون صعودا وهبوطا بأماكنهم
بلهفتهم بذكر الاجابات الصحيحة بصوت عال
وبنفس الوقت لا يشعرون بأدنى اهتمام بمعنى
الأحداث الغامضة التي يتلفظون به
(التعذيب وضرب العصا وأواني (البيوتر ،مع العصيدة البائتة والمهترئة
وغطسة الصباح ،بحمام سباحة موحل
تركت (إيريك) يحمل رعبا أبديا من الوسخ وكراهية حرّاقة لقيم الخدمة الشعبية المزيفة
التي يفترض أن يعانيها الأولاد الصغار من جراء كل تلك الأهوال
لو كنت غنيا فإن كل تلك البلاءات ،تعتبر اختبارات لكشف المعدن
أي كنوع من بطاقة دخول للطبقة الحاكمة
لكن (إيريك) لم يكن ثريا ولا محسوبا على الطبقات العليا
لقد تلقى الضربات دون الوعد بتلقي ما يعوض عنها
وكان سلاحه الذي أشهره عليهم نفحةً من لا مبالاة وحشية التفكير
وعندما عاد هنا إلى (إيتون) قام بصقل تلك اللامبالاة ليجعل منها شكلا فنيا
لو أن (بلير) أرد نفخ بوقه على الطلبة الضباط، لكان قد ظهر لهم بـ شارةٍ مقلوبة
ولو أن (بلير) كان سيقرأ الشعر، لكان "سيقرأ شعر (ستيفنسون) "نادي الانتحار
إلا أن الأفضل من ذلك، أنه فضّل الانزواء ليكون تهكميا وصامتا
(لم يرَ (وينستون تشرشل أبدا أي معنى للصمت
فقد كان ثملا بالكلمات وأراد أن يشاركه الجميع بهذه الثمالة
وكان سابقا بدياره أيام ،الامبراطورية عام 1900
قد تحدى شكوك والده وذلك بسلك طريقه عبر الدخول بمعترك السياسة
وفور اكتشافه أنه يمتلك موهبة ،الكلام أخذ يميط اللثام عن ما يمتلكه
حيث انكب على اعداد كتاباته ومراجعة خطبه (وكأنه ممثل عظيم بالمسرح (الإيدواردي
،وعلى خلاف العديد من السياسيين
لم يتعلم (تشرشل) أصول فن الخطابة العامة من خلال المجتمعات الجدلية الأنيقة
فقد اكتسب خبرته كخطيب من هنا ،بالشمال الصناعي على المقصورات العامة
ومن على قمم الحافلات وفي قاعات الرقص، حيث تعين عليه فعلا كسب التأييد
وقد جعل نشاط (وينستون) الجامح من المستحيل أن يبقى من المحافظين
وعندما ارتد نحو ،الليبراليين عام 1904
انضم لحزب كان كان يدق بابتهاج (المسامير في نعش إنجلترا (الفيكتورية
(إننا لا نعتبر (تشرشل ،شخصية متشددة
لكن جميع أشكال الاصلاحات الاجتماعية جاءت من عقليته الخصبة
كمكاتب توزيع العمل والضمان ضد البطالة والتخلص من المصانع الاستغلالية
لكن تشدد (تشرشل) كان يُعزف غالبا كوتر ثان بعد خاصية غروره الأخّاذ
وكان شغوفا بعد توليه وزارة الداخلية ،بأن يستخدم السياسة كما هو الحال بالمعارك
وبشكل غير مسؤول نوعا ما باستخدام القوة ،حيث استخدمها ضد مضربين عن العمل
وعامل النساء المطالبات بحق التصويت كسجينات حرب
وقد كان من المفهوم حينها التمادي بهذا السلوك العدائي المهتاج
حيث كان من الممكن أن يسدي بعض النفع
تم تنصيب (تشرشل) بعمر الـ36 وزيرا أول للبحرية
وبعد ذلك بثلاث سنوات اندلعت الحرب العالمية
معركة جاليبولي عام 1915 لقي 52 ألف من قوات الحلفاء مصرعهم في تركيا
فشل دموي وحملة بحرية (أيدها (وينستون تشرشل
(وبين ليلة وضحاها تحول (تشرشل من الشهاب الساطع لحكومة الحرب
إلى النيزك الساقط المهتريء
وبعد اتهامه، ليس كليا لنكون ،منصفين، بالمجازفة وعدم الكفاءة
وقد رد المحافظين على غدره بطرده من الوزارة
وبعد أن عانى من الإذلال وتعذب ،ضميره من جراء دوره بمجزرة جاليبولي
فإن (تشرشل)، أو "الكلب الأسود"، انزوى متهاويا من الاكتئاب الشديد التي انتابه
إنهم يدعون الرب# ،أيها العامل بحرث الأرض
#...الذي يحرث أرض البسيطة#
كفّر (تشرشل) عن أفعاله ،)بخنادق الـ(فلاندر
بالاستفادة من وساطاته ، القديمة بالجيش
لكي يقوم السياسي بإنزال درجته ليصبح جنديا بريطانيا
وفي الـ23 من نوفمبر 1915 كتب :لزوجته (كليمي) قائلا
عزيزتي، لقد أنهينا أول 48 ساعة لنا بالخنادق
وقد أمضيت الصباح بحمام ساخن مصمم ببعض من الصعوبة
القذارة والأوساخ تعم المكان
وقد بنيت مقابر بعمق الدفاعات ووزعت هنا وهناك بشكل لا أخلاقي
وتغرق الأقدام والملابس بوحل الرمال
،وعلى ضوء القمر المتلأليء فإن قواتا هائلة كالفئران
تزحف وتتسلل نحو الرشق الذي لا ينقطع من البنادق والمدافع الآلية
كانت الحياة على الجبهة بالنسبة لـ(تشرشل) عبارة عن مسألة تكفير
وسيعمل أداء مدة خدمته
فأصبح بإمكانه الآن أن ينظر للجنود ومجلس العموم بثقة مجددا
كان (إيريك بلير) لا يزال ،صغيرا جدا على الخنادق
لكنه بينما كان في (إيتون) قام بعمل مساهمته عبر تأليف قصائد تجنيد هزيلة
عندما قضت الحرب أوزارها، قد يكون - شعر بالذنب كالكثير من ابناء جيله
شعور الذنب لتفويت المشاركة بالمجزرة
وكان لا بد أن تكون الخطوة التالية بعد (إيتون) هي أوكسفورد
لكن على غرار (تشرشل)، فإن مصيره سيتحدد عبر حكم مسبّق مليء بالجهل
وقد اعتقد والده جازما بأنه كان من البلادة بحيث لن ينال أي منحة دراسية
وحتى لو سنحت لـ(إريك) الفرصة فمن المرجح أن سيرفض
سلم الصعود الذي يهيئه المال عبر امتياز وضعه
وبدلا من ذلك كان خياره الخروج نحو المستعمرات
(لا توجد أي إشارة على أن (إيريك ظن أنه كان متعرضا للغبن رغم هذا
(قد يكون تشارك مع (تشرشل بمثاليته حول الامبراطورية الصالحة
وخمسة أعوام قضاها ،بالشرطة البورمية
ربما تعتبر أكثر شعبة ،جحودا بكل الخدمة الاستعمارية
عملت على معالجته من ذلك الأمر بكل ذكاء
وأثناء أدائه لعمله بأقصى قدر ممكن ،من الكفاءة بتجميع المجرمين البسطاء
،والنظر للناحية الأخرى عندما يضربون فإنه مارس سلطته على مضض شديد
لقد أيقن أن البورميين الذين سجنهم ،لم يروا بأنفسهم على أنهم مجرمين
بل ضحايا محتلين أجانب
وبكل أنحاء الامبراطورية، كان ،يوجد رجال كرهوا أدوارهم بها بشدة
لكنهم كانوا محاصرين إمّا بمؤامرة الصمت أو جبن الإذعان
وقد أيقظت حادثة واحدة أكثر من سواها شعوره بالتقوقع الامبراطوري في بلاده
حيث كسر فيل قيوده واهتاج سائرا بسوق محلي
فأشهر (بلير) بندقيته
هل أنادي الصيادين؟- كلا، لا تيقظ أحدا-
سأنال منه بنفسي
،وعندما عثر على ذلك الحيوان
وهو يجتر العشب ،وأغصان الخيزران بفمه
كان من الواضح أنه لا يوجد داع لقتله، ما عدا أن الحشود الكبيرة توقعته أن يفعل ذلك
كنت أشعر برغبة ألفي شخص تدفعني لفعل ذلك دفعا
لقد تجلى في هذه اللحظة ،التي أشهر بها البندقية بيداي
أنني أدركت لأول مرة مدى خواء وعقم سيطرة الرجل الأبيض بالشرق
،ها هنا كنتُ ماثلا ،الرجل الأبيض حاملا بندقيته
وواقفا أمام جمهور ،محلي أعزل من السلاح
لأكون كما يبدو ظاهرا الشخصية القيادية للحدث
لكني بالواقع لم أكن سوى دمية سخيفة
وعندما سحبت الزناد لم اسمع صوت الطلق أو أشعر بالدفع
لكني سمعت صوت زئير شيطاني من الفرح قادم من الناس المتجمعة
بتلك اللحظة، وبوقت يقل كثيرا ،عن وصول الرصاصة لهدفها
طرأ تغير شنيع وغامض على الفيل
فلم يهتز ولم يسقط، بل أن كل خطٍ من جسمه قد تبدل
وبالنهاية لم أطِق ذلك أكثر، وانصرفت مبتعدا
سمعت لاحقا أنه استغرق نصف ساعة لكي يموت
واتساءل مرارا ما إذا أدرك الآخرون
بأنني أقدمت على فعل ذلك فقط لكي أتجنب الظهور بمظهر الأحمق؟
،بعام 1927، عاد (بلير) إلى الوطن
حيث أقنعته نفحة من الهواء الإنجليزي
بأنه لا يمكن أن يكون جزءا من نظام غاشم لأي يوم آخر
كانت دياره هنا ،)في بلدة (ساوثوولد
بلدة ذات واجهة بحرية بمقاطعة سوفولك)، تعج بالمتقاعدين الأنجلو-هنود)
حتى أصبحت شهيرة على أنها الهند البريطانية المصغرة على البحر
،وكانت أخت (إيريك)، (آفريل)، تدير مقهى
،)بينما كانت أمه تلعب ورق (البريدج وكان أباه يحدق بالبحر
وعندما أعلن (إيريك) لعائلته أنه قرر ترك الشرطة البورمية
لكي يصبح كاتبا من بين كل المهن، يمكنكم أن تتصوروا جيدا عدم تصديقهم المخيف
وما الذي كانت عليه إنجلترا التي جاء من أجلها (إيريك) لدياره؟
بلاد سيصفها لاحقا - شبيهة بعائلة
عائلة (فيكتورية) متعجرفة نوعا ما حيث تتملق للروابط الثرية
وتدوس على الروابط ،الفقيرة بكل بشاعة
وحيث يتعرقل طموح الشباب
وتتركز معظم السلطة بيد الأعمام المستهترين والعمات طريحات الفراش
عائلةٌ، كما يذكر، يتحكم بمقاليدها الأعضاء الخطأ
،مايو من عام 1926 الإضراب العام
توقفت الصحف عن الطباعة بحلول منتصف الليل
أحد من كان يتولى مقاليد (السيطرة (وينستون تشرشل
بعد أن كان مبتعدا ،لمدة 20 عاما عن المحافظين
عاد بالمجموعة كمستشار ،لحقيبة الخزانة
ومنشغل بسحق الإضراب العام
(لم تكن (ساوثوولد ،مكانا رغدا للاشتراكية
وهذا ما جعل من (إيريك) مصمما أشد التصميم على التكفير عن خطايا الامبراطورية
وبخضم عالم كان الكل به ،يعرف موقعه ويحافظ عليه
لم يكن له لينتظر حتى يفقد موقعه
وكثير من الناس ممن هم قلقين من حصتهم بالحياة، أرادوا الارتقاء عن مراكزهم
لم يصبر (إيريك) للنزول بالأعماق السحيقة
هناك إشارة تكاد تكون مليئة بالزهد بمسألة هبوطه نحو البؤس
لم يكن الأمر مجرد ارتداد ،عن احترام الطبقة الوسطى
بل كان الاحتضان المادي المحسوب لكل - شيء نَفَر منه (إيريك) الصعب الإرضاء
القذارة، والروائح الشريرة التي لا توصف
عندما باع ملابسه واشترى ،أمتعة شخص متشرد
كان يحاول إثبات صحة أمر ،معين على الأقل لِذَاته
وهو أن مشواره ككاتب يجب أن يبدأ بسبر الأعماق
كان الأمر شبيها بشرب القديسة (كاثرين) لوعاء من القديد
حتى تبرهن أن لا شيء يوجد أسفل منها
ولمدة عامين متواصلين قام ،بلير) بعمل جولة الفقر المتواصل)
بشكل شامل وصارم وشديد الواقعية لدرجة شنيعة
وبحمام أحد المنازل ،الرخيصة الفظيعة جدا
أو "المسمار"، تمكن من الهبوط لبلوغ الحقائق الثابتة
لقد كان منظرا مثيرا للاشمئزاز
كل الأسرار التي نتستر عليها تحت ملابسنا الداخلية تتكشف
الوسخ والشقوق والترقيعات ،وأجزاء الخيوط التي تسد الأزرار
وطبقة فوق طبقة ،من الملابس المتهتكة
بعضها عبارة عن مجرد مجموعات من الخرق المرقعة بالأوساخ
وقد أصبح الحمام حاشدا ،بالتعري المليء بالبخار
وروائح عرق المتشردين
تجاري نتانة روائح شبه البراز الموجودة أصلا بالحمام
،لم يكن يتعين عليه فعل ذلك فلم يكن بتلك الشدة من المراس
إلا إنه لم يكن يوجد ،)شيء قديم حول فكر (بلير
،)أكثر مما كان عند فكر (تشرشل فكلاهما كانا فاعلين لا أصحاب مظاهر
وسواء بالخنادق أو المنازل الرخيصة فقد احتاج كل منهما لأن يعيش بالوضع الذي تحدثا عنه
عام 1933 نشر( إيريك بلير) مجموعته ،"القصصية "أعماق وخارج لندن وباريس
لكن لم يكن الاسم الموجود بالغلاف بلير) بل (جورج أورويل)، كإسم أدبي)
ولم يوجد اسم يشير للملكية ،)أكثر من اسم الملك، (جورج
و(أورويل)، وهو اسم نهر في سوفولك)، يربطه بالمشهد الانجليزي)
لكن المشهد الذي سيطوف جورج أورويل) من خلاله)
لم تكن السياج الخضراء وأكوام القش بل المزاريب ومصانع الفحم
،وفي ظل سنوات الركود
(كان كل من (أورويل) و(تشرشل يقفان بمعسكرين متناقضين
وأعلن (أورويل) الحرب ،على الامبراطورية
(بينما هيمنت على (تشرشل هواجس الدفاع عنها حتى النهاية
اسطورتنا تقوم على أن الامبراطورية (البريطانية تأسست على ميادين (إيتون
لكن (أورويل) كان موجودا هناك وكان يعلم بشكل أفضل
ولقد كان يعلم أن الامبراطورية البريطانية تأسست على حقول الفحم
ويمكن للألمان والأمريكان ،التسلية بالكيميائيات والالكترونيات
لكن حجر الأساس الخاص بنا كان فحم الكوك والمعادن المنصهرة الغريبة
،إلا إنه بذلك الوقت، أي بالثلاثينات تعرض حجر الأساس ذلك للانهيار
فطلبات التصدير قد انهارت والمناجم قد أغلقت ومدن بأكملها قد أنهكت وماتت
وهذا ما كان للتاريخ البريطاني ،ذو الملحمة الفخمة للامبراطورية
أن يبلغه بالنهاية، بدءا من حقبة (مدينة (جارو) أيام المبجل (بيد
وانتهاءً بحقبة مدينة جارو) أيام مسيرات الجوع)
حيث لم تتعرض البلاد من قبل أبدا لمثل هذا الانقسام المرير
بالجنوب، قاموا ببناء قرى ،نموذجية بمناجم فحم مصغرة
ومزارع مصغرة وفرق حرث مصغرة تتعاقب على التلال
أما في ويلز واسكتلندا وشمال إنجلترا فتلك ،التلال ستكون مجرد أكوام من نفايات الفحم
،ولن يقوم على تنظيمها رعاة الحرث
بل الهائمون البائسون الذين يبحثون بنفايات الفحم بإيديهم العارية
و(أورويل)، الذي تعلق بالريف ،بشغف عقلاني، وتقريبا وحشي
توجه الآن لهذا العالم السفلي وهو ما يعبر عن الظلال السوداء على رئة بريطانيا
عندما طلب منه ناشره تأليف ،كتاب عن الحياة بالشمال الصناعي
تشبث (أورويل) بالفرصة وانطلق (بالطريق نحو رصيف ميناء (ويجان
وما عثر عليه هو مدينة ،"يمزقها "الكساد
ويكسوها السخام الذي لوّث كل شيء
بصمات إبهامٍ سوداء على ،الخبز هو ما اقتطعه له سيده
وجلدٌ ثانيٌ من السخام عندما هبط للمنجم
وإن كان المرء عاطلا في ويجان هو أمر كارثي، فإنه إن كان عاملا فهو بمثابة معاناة
،الاستيقاظ في الساعة 3:45 صباحا
والزحف شبه عاري عبر ممرات - بطول 4 أقدام وأحيانا لأميال طويلة
كما ذكر (أورويل)، بدءا من جسر لندن وحتى سيرك أوكسفورد
(وعندما لا يتواجد في المناجم، كان (أورويل يمضي وقته هنا في مكتبة ويجان العامة
- وها هو اسمه في دفتر الزوار إي. آي. بلير)، 72 طريق وارينجتون، ويجان)
حيث كان يعد بحثا عن معركة عمال المناجم لتلبية مطالبهم
من الرواتب والإيجارات والأسعار
"تعرض كتاب "الطريق نحو رصيف ويجان منذ ظهورها للنقد من اليمين واليسار
من المحافظين بالطبع حيث ،اعتبروها مجموعة أفكار بلشفية تافهة
إلا أن المثقفين الاشتراكيين كذلك هاجموها لتشاؤمها الكئيب
فصوّروها على أنها تمثل إنكسار الطبقة العاملة
بدلا من إبراز أبطال الطبقة الدُّنيا الصامدين
لم يمنع أيا من هذا "الطريق نحو رصيف ويجان"
لتكون واحدة من أكثر الكتب مبيعا
(لماذا؟ حسنا، لقد أخذ (أورويل ورقة المركز السياسي المعتادة وأهملها
وبدلا من ذلك، انكبّ على تكوين عمل أدبي حقيقي
وعندما يتبعه المرء لهذه المناجم السخامية الخانقة
أو للرطوبة الباردة ،للمنازل ذات المصاطب
فستتيقن أنك بصحبة بمن هو ،أشبه بـ(ديكنز) الذي شخّص الكساد
فأصبح شخص يمكنه أن يجعلك تسمع وترى وتشعر
الواقع المادي لعالمٍ صعب بزمنٍ عصيب
،إنك لا تريد أن تنظر بواقعية لكن لا يمكنك حينها أن تغض الطرف
وذهب (أورويل) بإحدى الليالي إلي (بيرنسلي) لسماع (أوزوالد موزلي)
المسبح بحمد إيطاليا الفاشية وألمانيا الهتلرية حتى حدود السماء
وما أفزع (أورويل) أن جمهور الطبقة (العاملة الذي بدأ مستهجنا لـ(موزلي
انتهى به الأمر بتحيته
كان القتال يلوح بالأفق ورئيس ،)الوزراء المحافظ (ستانلي بالدوين
ومستشاره (نيفيل تشامبرلين) لم يتحليا بالشجاعة الكافية للاشتراك بخضمه
ماذا كانت رسالتهما؟
سيحل السلام بوقتنا، وإلا الرجاء القيام بعملكم بمكان آخر
بينما ننهمك بجرف أرض الحديقة
هنا هيئة الإذاعة البريطانية، البث المحلي، مرحبا أيها الأطفال بكل مكان
...إنه أحد الأصوات الأكثر شيوعا
وكانت رؤيتهم لبريطانيا أنه عالم صغير منغلق على نفسه
كانت أوروبا المطلة هناك مليئة بالأوروبيين البغيضين
الذين ارتكبوا أفعالا وحشية ضد بعضهم البعض
كل ذلك مؤسف جدا بلا شك لكن هذا شأنهم لا شأننا
لكن العالم الخارجي أخذ بالتحول بكل قبح
فضربت الفاشية أطنابها عبر أرجاء أوروبا
وبدأت غمامة كبيرة بإحلال الظلام على القرية الخضراء، فحل وقت الاختيار
،أما (أورويل) فقد استقر على خياره ففي ديسمبر 1936 سافر لأسبانيا
وبينما هو متوشح بشكل غريب وشاحا ،طويلا من الصوف وقناعا خفيفا
فإن الإنجليزي الطويل النحيف ذو الشعر الناعم توجه نحو تمرين المتطوعين المناوئين للفاشية
فقد أثبت كل ذلك التدريب الأمني في بورما نفعه في هذا الوقت
لكن بعد قضاء شهور بالجبهة، فإن ،أورويل) البالغ طولا 6,2 كهدف سهل)
أصابته رصاصة برقبته
،وقد تمكن من النجاة جسديا حتى لو لم تنجُ مثاليته
وسيرى بأم عينه أولا كيف ،سيتم سحق رفاقه بوحشية
ليس من قبل (فرانكو) وحسب بل أيضا من قبل الشيوعيين
وقد علمته المحنة في أسبانيا أن (يكره الشيوعية لا سيما صنف (ستالين
ولسبب أن (أورويل) كان يأمل بثورة اشتراكية بريطانية محلية المنشأ
وبسبب أنه سئم من سماع ،)تقديم الأعذار لـ(ستالين
كل أولئك "المفوضين السياسيين" بالمقاهي المستعدين لأن يغفروا له كل شيء
،فقط لأنه لم يكن هتلر
قرر أن يكتب عن التاريخ الحقيقي للثورة البلشفية
وقد قرر بصدق شديد أن يزور مرة أخرى ذلك الشكل الأدبي العتيق، رمزية الحظيرة
عند عودتي من أسبانيا فكرت بكشف الخرافة السوفييتية
عبر قصة يمكن استيعابها بسهولة من قبل الجميع تقريبا
إلا أن التفاصيل الفعلية للقصة ،لم استلهمها لبعض الوقت
إلى رأيت صبيا صغيرا يقود ،حصان عربة بطريق ضيق
ويضربه بالسوط كلما حاول الالتفاف
وقد أذهلتني فكرة أن لو مثل هذه الحيوانات ،أصبحت تدرك مدى ما تمتلكه من قوة
فلن نمتلك حينها سلطة عليها
"لن تؤلف "مزرعة الحيوانات ،إلا بعد ستة أعوام أخرى
لكن (أورويل) كان بالفعل قد استهل إعادة اختراع فن التأليف السياسي
وبعد أن توجه نحو الماعز والدجاج ،)بكوخه البارد في (هيرتفوردشاير
وهو يقاوم الأعراض الأولى لمرض السل شرع باستخراج اللغة
الخطابية الفخمة لليسار الرسمي
واللغة العاطفية المقرفة لليمين الرومانسي
(وبينما كان (أورويل ،يعبث بمزرعته الصغيرة
كان تشرشل يجول بلا هوادة ،)بقصره عالي التكلفة في مدينة (كينت
(مطيلا التفكير، مثل (أورويل ببشاعة الديكتاتورية
تم اعتبار (تشرشل) للعديد من السنوات ،من حزبه بذلك الوقت كشخصية طواها الزمن
حيث كان متشبثا بشكل محرج لقضايا خاسرة كابعاد بالهند عن أيدي عن الهنود
وبالتالي تحول عن السياسة نحو الكتابة
وحيث أنه كتب - آلافا من الصفحات ،)عن خلفه دوق (مارلبوروه
وآلاف الصفحات الأخرى عن ،"تاريخ الشعوب الناطقة بالانجليزية"
ومحتفظا بصحبة أجيال انقضت - من الذين واجهوا الغزوات بالسابق
(ولهذا فإن قناعات (تشرشل حول ما يتوجب عمله الآن قد نضجت
"أولا، يتعين على "الانجليز المنغلقين ،بعالمهم الحالم بالصيد والفروسية
أن يتنبهوا لحقيقة واضحة، سواء شاؤوا أم أبوا، وهي أن مصير بريطانيا مرتبط بأوروبا
،يوجد هناك من يقول
فلنتجاهل قارة أوروبا، ونتركها" ،بكل ما بها من كراهية وتسلح
،وبأن تحترق بغليانها الداخلي" "وأن يخلّص كل طرف منها على الآخر
سيثار الكثير من الأقاويل على هذه الخطة
لو أمكننا خلع أساسات الجزر البريطانية من جذورها الصخرية
وجرها لمسافة 3 آلاف ميل عبر المحيط الأطلسي
والحقيقة أنني لم أسمع إلى الآن عن طريقة يمكن بها تحقيق هذا الأمر
لقد ادّخر (تشرشل) جُلّ ،احتقاره لتوجيهه إلى المهادنين
لرجال من أمثال (نيفيل تشامبرلين) الذين تصوروا جديّا أن هتلر والنازيين
أناس عقلانيين يحملون شكاوي معقولة
حول الطريقة التي عوملت بها ،ألمانيا بعد الحرب السابقة
ومن ذا الذي سيقف بوجه المطالب المعقولة
،)المهادنون، كما ظن (تشرشل كانوا أناسا يتصورون
أنه بامكانك إرضاء ذئب شرس ،عبر إلقاء خروف أو اثنين له
على أمل أنه عندما يأتي إليك فإنه يكون مشبعا
بعام 1938، قام هتلر ،الذي ضم النمسا فعلا
بالتهديد بشن الحرب إن لم يحصل على قطعة من أرض تشيكوسلوفاكيا
فهرع (نيفيل تشامبرلين)، رئيس الوزراء الجديد، إلى ميونيخ ورتب الأمر
لقد أجريت محادثات أخرى ،مع المستشار الألماني السيد هتلر
وها هي الورقة التي تحمل توقيعه عليها إلى جانب توقيعي
بالنسبة لـ(تشرشل)، فإن هذا ،لم يكن مجرد فعل جبان وحسب
بل أكبر عمل معيب عبر تاريخنا الطويل وأبشع إثبات
لافتراض هتلر المبني على أن الديمقراطيات بالضرورة ضعيفة
لقد انتهى كل شيء
تلك الصامتة الحزينة ،المخذولة المنكسرة
تشيكوسلوفاكيا المنحسرة نحو الظلام
،لقد مررنا بحدث فظيع بتاريخنا
عندما تعرضَ مجمل التوازن الأوروبي للاهتزاز
وحيث أن تلك الكلمات الفظيعة التي تم التلفظ بها حاليا
،ضد الديمقراطيات الغربية
فإنك أصبحت على الميزان عبئا ثقيلا" "وتعتبر من المفقودين
ورغم الوعود التي قطعها ،في ميونيخ فإنه عندما
مضى هتلر إلى أبعد ،)من ذلك واحتل (براغ
،اعتبر (تشامبرلين) الأمر شخصيا مدركا تعرضه هو والبلاد لخديعة كبرى
وبالأول من سبتمبر 1939 غزا هتلر بولندا
فأرسلت بريطانيا وفرنسا إنذارا نهائيا
هذا الصباح، قام السفير البريطاني في برلين
بتسليم الحكومة الألمانية إنذارا نهائيا
تنص على أنه إذا لم نسمع منهم بحلول الساعة الحادية عشرة
أن قواتهم المسلحة على استعداد ،فوري للانسحاب من بولندا
فإننا سنعلن حالة الحرب بيننا
ويتعين علي إبلاغكم أنه لم يصلنا مثل هذا التعهد
فأصبحت البلاد بالتالي بحالة حرب مع ألمانيا
نبرة صوت نيفيل تشامبرلين) الحزينة)
أعلنت الحرب كما لو أنه يندب على موت عمته العذراء
وبدأ إخلاء الأطفال
لم يكن يعني أي من هذا عن تخلي (تشامبرلين) عن الحكم لصالح (تشرشل)
وبسبب أن كل نبوءاته المتشاءمة ،ظهرت أنها على طريق التحقق
فإن (تشرشل) لا يزال غير موثوق من الأغلبية الساحقة لحزبه
لكن انقلاب الرأي العام ،لصالحه كان هائلا
وبدا أنه من الحصافة ضمّه للحكومة
(وعشية اعلان الحرب منح (تشرشل موقعه القديم كوزير للبحرية
لكن وكما لو أنه تكرار لـ(جاليبولي) فإن أولى حملات (تشرشل) الضخمة انتهت بكارثة
عندما تعرضت محاولته لقطع امدادات الحديد الخام عبر النرويج
لرد نيران مدفعي شديد
وقد تمكن (تشرشل) بطريقة أو بأخرى من الإفلات من اللوم لهذا الفشل في النرويج
وأيا كانت المشكلة فإن طاقته وإقدامه جعلتا من الواضح
أنه على الأقل يبذل قصارى ما بوسعه
وبقربه من (نيفيل تشامبرلين) - النحيف - والمرهَق والمدير لموقع أمامي لكهول عتيقين
فإن (تشرشل)، رغم ،أنه كهل عتيق كذلك
كان يبدو كالبركان الثائر، وحمم متدفقة من الخطط والاستراتيجيات
والثقة بـ(تشامبرلين) بهذه الأثناء كانت منحطة من بين جميع الأوقات
،وفي العاشر من مايو 1940 تم اجباره أخيرا على الاستقالة
وكانت الأسابيع التي تلت هذا الأمر من أهم الأوقات عبر التاريخ البريطاني الطويل
حيث كان هناك تساؤلان - اثنان على المحك
الأول، من كان سيلي ،تشامبرلين) كرئيس للوزراء)
والثاني، كيف سيتعامل مع آلة الحرب النازية؟
ولا تعتمد عليهما فقط مسألة ،بقاء استقلالنا الوطني
بل الديمقراطية الغربية ككل ستقرر مصيرهما عموما
نوعان من الرجال ،ونوعان من إنجلترا
كانا يتنافسان على قيادة البلاد
وبحالة الرجل الذي توقع الجميع ،)توليه القيادة، اللورد (هاليفاكس
حيث إنجلترا المقاطعات - الوثيقة والمرهفة وحيث البيض الطيب والرأس الصافي
(وكان هناك أيضا (وينستون الذي لم يكن على أي من هذه الأمور
لكن (هاليفاكس) اتخذ أفضل قرار بحياته ورفض تولي الموقع
ففي قرارة أعماقه أيقن أنه لا يمكن أن يصبح قائدا بالحرب
،و(وينستون) قد خَبِر وجه المعارك بينما لم يحسن (هاليفاكس) سوى صيد الثعالب
،وفي العاشر من مايو ذهب (تشرشل) للقصر
وظهر على الملأ كرئيس الوزراء الجديد
وأتت الأنباء بنفس اليوم أن بلجيكا وهولندا قد تعرضتا للغزو
وبهذا الوقت كلنا نعلم بالطبع أن لحظة رائعة" بانتظار أن تحط رحالها"
،لكن أحدا لم يكن يعرفها آنئذ ،بتلك الأيام القاسية لشهر مايو 1940
عندما اقتربت بريطانيا من أن تسحق أكثر من أي وقت مضى عبر تاريخها
كانت بلجيكا وهولندا تنهاران، أما فرنسا فكانت على وشك أن تشاركهما نفس المصير
وتعرض ربع مليون جندي بريطاني للحصار بشمال فرنسا
ولا يحدوهم أمل يذكر للحصول على مخرج آمن
ولم تكن لا الولايات المتحدة ،ولا الاتحاد السوفييتي على استعداد لنجدتنا
ولم يكن بالكاد يوجد أي أحد
اعتقد أنه بامكاننا النجاة من هذا الكابوس العسكري من تلقاء أنفسنا
وعند تلقيه لنبأ الطامة توجه (تشرشل) لمجلس العموم
وألقى خطبة قصيرة، صادمة بوضوحها ومليئة بالتحدي بتفاؤلها
سأذكر للمجلس كما ،ذكرت للمنضمين للحكومة
لا شيء لدي لأقدمه سوى بذل الدماء والكدح والدموع والعرق
لقد وقع علينا بلاء عظيم ثقيل الوطأة
وسنواجه شهورا عديدة وطويلة من الكفاح والمعاناة
تسألونني ما هي سياستي
سأجيبكم أنها شن الحرب بحرا ،وبرا وجوا بكل ما نملك من طاقة
وبكل القوة التي يمنحنا إياها الرب
لكي نشن الحرب ضد مكمن الطغيان الوحشي
الذي لا يقبع إلا بالظلام والبيان المشين للجريمة البشرية
هذه هي سياستنا
تسألون عن هدفنا
- يمكنني الاجابة بكلمة واحدة الانتصار
الانتصار تحت أي ثمن
الانتصار رغم كل هذا الرعب
الانتصار مهما طال أوانه ومهما كانت صعوبة الطريق إليه
وبدون هذا الانتصار لن تكون هناك حياة
إننا نميل للاعتقاد بأن تلك كانت لحظة تحول
حيث يدخل الأمير العظيم متوشحا درعه الواهن ومستجمعا شتات البلاد المترنحة
لكن الحقيقة مختلفة تماما
(لقد ظن العسكريون أن (تشرشل سيبتلع ما قاله قبل مضي وقت طويل
أما المسؤولون الحكوميون الذين ،لطالما كرهوا عروضه المسرحية
أشاحوا بأبصارهم لعرض مسرحي آخر أيضا
في حين أن السياسيين ،)أمثال (هاليفاكس
أيقنوا بأن (تشرشل) سيعمل على استبدال الوجه العاطفي بالواقع المرير
لقد حان الوقت، كما ظن هاليفاكس)، لعقد صفقة مع ألمانيا)
بينما (تشرشل) لم يكن يؤمن بأي من هذا
وبآخر اسبوعين من مايو، حيث ،كان متواريا عن أنظار الرأي العام
قام بخوض أشرس وأهم حملة قام بها بكل حياته
لمنع بريطانيا من التذلل لهتلر
فمعركة بريطانيا إذن لم تبدأ بالحملة ،الجوية ضد سلاح الطيران الألماني
بل هنا خلف الأبواب المغلقة لقاعة وزارة الحرب
(ودخل كل من (هاليفاكس ،و(تشرشل) بحالة صراع مرير
فهما رجلان يعتنقان أفكارا مختلفة تماما حول كيفية إنقاذ البلاد
لقد كتب (هاليفاكس) بمذكراته
أنه عندما كان يقضي جولة (ممتعة عبر أرضه في (يوركشاير
ظهرت له الحقيقة المرعبة من أن غزوا ألمانيا قد ضرب الوطن أخيرا
نفس فكرة، كما ذكر، من أن ترى حذاءا ،عسكريا يشق طريقه نحو هذا الريف
فهذا التفتيت الحقيقي لإنجلترا الخالدة كانت بمثابة إهانة وانتهاك
و(تشرشل) لن يعترض على هذه المقولة
لكن (تشرشل) لم يكن يقاتل "من أجل "وادي يورك
ولا لمجرد حلم غير حقيقي لإنجلترا القروية
وهو لم يكن يقاتل لبريطانيا عموما ،كمجرد مفهوم للموقع الجغرافي
بل من أجل ما اعتبره ،مغزى كون المرء بريطانيا
،وذلك المغزى كان عبارة عن فكرة
- فكرة غالية سنقدمها للعالم ألا وهي الحرية وسيادة القانون
ودونها، ومن خلال معاناة ،"الوجود بناء على إذن "الفوهرر
فكل ما سيتبقى لنا هي بريطانيا الزائفة ولا تستحق حتى حمل اسمها
وسنتخلى عن تاريخنا الطويل
ومن الأفضل بكثير الموت ونحن نقاوم من الحياة بعار دولة من العبودية
عندما ذكر تشرشل كل هذا ،للحكومة بالـ28 من مايو
قوبل بتحية لا عبر الإيماءات الوقورة بل بعاصفة من القبضات تضرب الطاولة
،لن تكون هناك حكومة (فيشي) بريطانية
بتلك اللحظة أيقن أن شعب بريطانيا يوافقه على ذلك
(لم يعترف أبدا (تشرشل بمذكراته بالواقع
بكيفية النجاة باعجوبة ،بالضبط من هذه الواقعة
إلا أن رفضه لقبول الغزو النازي لأوروبا
يبقى هو ما أحدث الفارق ما بين الاستسلام والكفاح
كل المؤهلات التي جعلت منه - عموما شخصية مستحيلة
من عناده الشديد وسرعة غضبه - وإيمانه الرومانسي بتاريخ بريطانيا
كانت آنذاك، بتلك الأيام السوداء من مايو، هي كانت تحتاجه البلاد بالضبط
وعلم (تشرشل) خلال الأيام ،القادمة، أنه خلافا لكل التوقعات
تم اخلاء ربع مليون (جندي من (دنكيرك
،عبر ألف سفينة صغيرة
وهم يشكلون لب الجيش الذي سيعود بالضبط بعد أربع أعوام تقريبا
وقد كانت خطبته، التي بثت على البلاد ،بعدها ببضع أيام في يونيو 1940
،كما وصفها عضوٌ بالبرلمان تساوي ألف مدفع"
"وخطبةٌ لألف عام"
سنمضي بالطريق حتى النهاية
سنقاتل بفرنسا وسنقاتل ،بالبحار والمحيطات
سنقاتل بثقة متنامية وقوة متنامية بالجو
سندافع عن جزيرتنا مهما كان الثمن
سنقاتل على الشواطيء ،وسنقاتل على مواقع الهبوط
وسنقاتل بالميادين والشوارع
وسنقاتل على التلال
ولن نستسلم أبدا
هذا النوع من التحدي الذي لا يعرف ،)الكلل هو ما جعل (جورج أورويل
رغم كل ما كان يكنه من عدم ،ثقة لتوجه (تشرشل) المحافظ
يشعر بالارتياح الشديد أن ،بريطانيا وجدت أخيرا قائدا يدرك
كما كتب هو على لسانه، "أن "الانتصار بالحروب يكون عبر القتال بها
ورغم أن الاشتراكي وذلك العجوز ،الأرستقراطي كانا على النقيض تماما
حيث كان أحدهما يحب ،الامبراطورية فيما يمقتها الآخر
كان كلاهما يدرك أن تلك الاختلافات لم تكن تساوي شيئا
إذا ما قورنت بما كان يفصلهما عن النازيين والانهزاميين
لم يتم تشخيص مرض ،أورويل) بالسل بهذه المرحلة)
لكن نوبات سعاله كانت من الشدة بحيث تم رفض طلب التحاقه بالجيش
إلا إنه بدلا من ذلك قام بإذاعة حملة دعائية لهيئة الإذاعة البريطانية
وخدم كرقيب بالحرس الوطني
وخلال أوقات "الهجمات ،الخاطفة" كان كلا منهما متواجدا
في خضم الأحداث الصعبة حيث يلفتان الأنظار كالصبية الصغار نحو الخطر
،شعر (أورويل)، كما قال أحدهم بالشجاعة والخطر ما بين القنابل
(وكان يفترض أن ينام (تشرشل ،بمكان آمن كقاعات حكومة الحرب
لكن ما أفزع موظفينه أنه أخذ يستمر بالتردد على مقر رئيس الحكومة
وأحيانا كان يتسلق السطح "ليشاهد "الألعاب النارية
(لقد رسم كل من (تشرشل) و(أورويل ،رؤيتهما لتاريخ بريطانيا عن سبب قيامنا بالقتال
لكنها كانت رؤى مختلفة
كان (تشرشل) أقرب إلى الصورة ،المسرحية التاريخية الشكسبيرية
حيث القائد الحربي الذي ،يطارد خلسة المعسكر الليلي
ويستقي تعاطف الناس البسطاء
أما (جورج أورويل) فكان ينظر من ،حوله نحو الملايين من الأبطال المألوفين
كمراقبي الغارات الجوية ،وعضوات خدمة التطوع النسائية
وشاهد ورثة (كرومويل) الحقيقيين "الممهدين" و"الاصلاحيين"
ولم يقبل عمّال بريطانيا تحدي سلاح الطيران الألماني
لكي يجعلوا البلاد آمنة لأمثال اللورد (هاليفاكس) وملاّك البيوت الريفية
بل لتكوين دولة ستعمل أخيرا ،)على مساعدة عمال مناجم (ويجان
والملايين من أمثالهم ليحصلوا على نصيبهم من معالم الحياة الكريمة
تمثل المأزق بالطريقة التي - كان يتعين بها الانتصار
ليس عبر جيش الشعب ،لإنجلترا العجوز
بل عبر جيش الشعب للولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي
وبدرجة معينة ،بأعمق قرارات نفسه
لم يكن (تشرشل) أكثر ،)سعادة بهذا من (أورويل
لكن إن رضينا أن نكون شريكا ثانويا لأمريكا مقابل دحر الفاشية، فليكن كذلك
كان (تشرشل) على أي حال أقل من أورويل) بحالة التقوقع الانجليزي)
فقد أحب حيوية الهجمات المباشرة لأمريكا بنفس قدر إحجام (أورويل) عنه
فـ(تشرشل) كان يعتبر الديمقراطية شيئا ضخما فسيحا وعابرا للأطلسي
بينما يرى (أورويل) الديمقراطية بالطريقة الأمريكية مجرد صنف من الرأسمالية الوحشية
وبالنسبة لبريطانيا فإنه عندما انقضت - الحرب أوزارها أمر وحيد كان جليا
إن كانت الحرب تعني الموت جنبا إلى جنب، فإن السلام سيعني التعايش المشترك
ليس بِحارات بريطانيا، بل ببلادٍ يحصل كل فرد بها على فرصة للكفاح
تحمل الصحف أنباءً مذهلة لجمهورٍ مندهش
فلنتصارح بالأمر، من كان يتصور تحقيق مثل هذه النتيجة؟
!...أغلبية ساحقة لحزب العمال
وفي الإنتخابات العامة حصل (تشرشل) على الشكر من الأمة
عبر تلقيه هزيمة نكراء
فقد وصل حزب العمال إلى السلطة بتفويض ضخم من أجل الإصلاح
رحبت الصحافة الإشتراكية "بالنصر وكأنه قدوم "القدس الجديدة
ولكن بدلاً من الإنضمام إلى جوقة الشكر أورويل) كـ (تشرشل) كان شديد القلق)
من نظام عالمي جديد سوف نصبح من خلاله عبيداً بشكل آخر
من (ستيتين) في البلطيق إلى (تريست) في الأدرياتيكي
ستار حديدي هبط على القارة
وخلف هذا الخط تقع كل العواصم
(فيراوس) و(فايري إيزل) (بيلي) و(هيبرديس) و(كرومارتي)
(فورتيز) و (فورث) (تاين) و (دودجر)
رياح معتدلة ومتقلبة ... غربية وتميل تدريجياً
للتعبير عن رأيه في دندنة لندن الساكنة ما بعد الحرب
فقد ذهب (أورويل) إلى أبعد حد من دون أن يغادر بريطانيا فعلياً
، إلى حافة المملكة (جزيرة (هيبريدين) في (جورا
بلا كهرباء وبلا هاتف والبريد ربما مرتين في الأسبوع
وقد كان هنا في كوخ منعزل
يقوم بالطباعة في السرير بواسطة آلة كاتبة على ركبتيه
وهو يعلم أنه لم يكن لديه الكثير ليعيشه
لذلك فقد قام بالتركيز على الأمر الأكثر أهمية له ولبريطانيا
مصير الحرية في عصر القوى العظمى
بينما كان (تشرشل) يصدر تحذيراته الشرسة
كان (أورويل) قد أنشأ الرجل البسيط (وينستون) - (وينستون سميث)
لقد كان العام 1948
الحب الوحيد (هو لـ (الأخ الأكبر
والضحك الوحيد في النصر على العدو المهزوم
لا فن ولا علم لا أدب ولا متعة
ولكن سيبقى (وينستون) فقط رمزاً للشعور بالقوة
ومن أجل تصور المستقبل
تخيل وجود حذاء يدوس . على الوجه البشري ... إلى الأبد
"عندما نتأمل رواية "1984 فإن معظمنا يفكر في طغيان الرتابة
والطاعة الجماعية التي يقودها (الأخ الأكبر)
عالم مقلوب رأساً على عقب من الكلمات المظللة حيث الحرب هو السلام والأكاذيب هي الحقيقة
ولكن تحفة (أورويل) الأخيرة هي الأكثر قوة والأكثر عمقاً
عندما وصفت مقاومة وينستون) للدكتاتورية)
حرب عصابات تم خوضها ليس بالأسلحة والمتاريس
بل عبر نيل الحريات فعلياً والمطالبة بالحقوق الطبيعية للبشر
مثل نزهة في الريف وممارسة الحب وإنشاد لأغنية الأطفال القديمة
(وقد قام (وينستون سميث بكل تلك الأفعال المحظورة
يحضه على ذلك ذاكرة قاتمة لوقت . كان فيه كل ذلك أمراً طبيعياً بالكامل
لقد كان الملاذ الأخير للحرية . من (الأخ الأكبر) هو الذاكرة
"تمثل الرعب الأعظم للرواية "1984 . بمحاولة الطاغية طمس التاريخ
(لقد تشارك كل من (تشرشل و(أورويل) بهذا الإنتماء الرومانسي للماضي
والإعتقاد أنه كان مأوى للحرية
في زمن يقوده البيروقراطيون . وغرف الإجتماعات
وهذا ما جعل الأرستقراطيين والإشتراكيين
يُشكلان في الظاهر ثنائياً يستحيل . أن يلتقيا وأكثر الحلفاء كراهية
(مات (جورج أورويل .في العام 1950 وقد كان في الـ 46
وآخر شيء كتبه من أجل النشر (كان عن (وينستون تشرشل
ومراجعة لمذكراته عن الحرب "أوقاتهم الأروع"
رغم أنكم ستتوقعون أن يتم رفضه بواسطة بطولات (تشرشل) الحربية
إلا أنه منح الكتاب أعظم (تقدير كان يفكر به (أورويل
بحيث أنه قرأ هذا العمل الأدبي كإنسان وليس كشخصية مشهورة
وقد كان حُكماً مشتركاً للألاف الذين إصطفوا في شوارع لندن
عندما توفي (تشرشل) أخيراً .في العام 1965
(عند تأمُّل الأمر فلا (تشرشل) ولا (أورويل فعلا الشيء المتوقع وهو الإلتزام بنهج الحزب
وما هو أكثر أهمية كان إيمانهم المشترك
أنه إذا أرادت بريطانيا الحصول على مستقبل مميز في عصر الدول الكبرى
فإنه من الأفضل أن تحافظ على إيمانها بأفضل التقاليد عبر تاريخها الطويل
التاريخ الذي ربط معاً العدالة . الإجتماعية مع الحرية العنيدة
لكن يجب عدم خلط التاريخ مع الحنين إلى الماضي
فقد تم كتابته ليس من أجل تكريم الموتى ولكن من أجل إلهام الأحياء
فهو الدورة الدموية لثقافتنا وسر ما نحن عليه الآن
حيث يخبرنا أن نتخلى عن الماضي بالرغم من إحترامنا له
وأن نحزن على ما يتوجب الحزن عليه . وأن نمجد ما ينبغي تمجيده
وإذا ما حصل في النهاية أن تحول التاريخ ليظهر بشكل وطني
(فإنني أعتقد أن كلاً من (تشرشل و(أورويل) لم يمانعا ذلك بشدة
... وفي واقع الأمر . ولا حـتـى أنــا
ترجمة: فيصل كريم الظفيري أحـمـد الـزعـبــي السابع من فبراير 2010
نتمنى أن أن تكونوا قد استمتعتم بالسلسلة www.dvd4arab.com وللمزيد